ارض زيكولا
يقولون الحب أعمى.. و هو يقول أصابني العمى حين أحببت.. و لكن ماذا يفعل.. ً ها هو قد أحبو حدث ما حدث.. و ها هو يجلس كل يوم في ا حجرتهليكتبمجدد : ً " أنا خالد حسني.. ثمانية و عشرون عاما.. خريج كلية تجارة القاهرة منذ ستة ّ أعوام.. بلدي سم ُ ي ى "البهو فريك" تابع ملحافظة الدقهلية.. فض زواج ُ واليوم ر ي بحبيبتي للمرة الثامنة.. و لنفس السبب .." ثم نظر إلى الحائط.. وقام بتعليق الورقةبجوار سبعةورقات أخريات، بدت أنها ّ ل ُ ع قتفي أوقات سابقة.. ت ُ الورقة األولى ك ر ف ُ ض ب بها اسمه و سنه و بلده و بها: " زواجي بحبيبتي اليوم".. و بجوارهاورقةثانيةبها: " ف ُ ر ُ ضت للمرة الثانية".. و الورقةالثالثةبهارفضهللمرة الثالثة.. و هكذا حتىالورقةالسابعة.. * * * بعدها أسند ظهره للخلف و نظر لألعلى، و عادت به ذكرياته إلى ماقبل ستة أعوام مضت حين كان يدرس بالسنةاألخيرة بالجامعة.. وشاءت األقدار أن يتعرف على )منى( ابنة بلدته، صدفة، في طريقهما من البلدة إلى جامعته بالقاهرة.. و زادت فرحته حين علم أنها تدرسبنفسالكليةفي عامها األول بالجامعة.. و من يو مهاو قد ً تعددت صدف لقاءات هماكثيرا، سواء بقصد أودون قصد.. 6 حتى أفاق من ذكرياتهو زفر زفرةقوية حين نظر إلىورقةكبيرة علقها على الحائظ أسفل الثماني ورقاتكتبعليها: " ف ُ ر ُ ضتلنفس السبب.. والد منى املجنون". * * * كان خالد إن سمع كلمةمجنون ً دائما يتذكر والد منى.. وال أعتقد أنه خالد فقط بل جميع أهل البلدة.. و لكنه أكثر من عرف جنونه؛ فمنذ أن أنهى دراستهو عزم على أن يتقدم للزواج من منى حتى فوجئ به - في أول زيارة لخطبتها- ينظر إليه بغرابة ويسأله: - أنتعايز تتجوزمنى؟! - أيوة ً فسألهمجددا: فازدادوجه خالد او انت عملتإيه في حياتك؟! ً حمرارا،و اضطرب كأنه لم يتوقع سؤاله.. حتىرد: - عملتإيه في حياتي؟!.. الحقيقة، أناخريجكليةتجارةجامعةالقاهرة.. و حضرتك عارف إن والد ي توفاهما هللا و أنا صغير و عايش مع جدي.. و معفي من جيش.. و ً حاليا ر عن وظيفةمناسبة ّ بدو .. فقاطعه : -و تفرق إيه زكبنت ّ عن غيركعشان أجو ي؟!!.. ثم أنهى املقابلة بالرفض.. * * * 7 اعتقد خالد وقتها أن سبب رفضه للمرة األولى أنه لم يجد الوظيفة املناسبة، و لكنه تأكد أن السبب ربما يكون غير ذلك ً تماما ً حين وجد عمال و توجه لخطبة ً منى مجددا.. حتى قوبل بالرفض للمرة الثانيةو نفس سؤال األب.. ماذا فعلت في حياتك.. و فيم تختلف عن غيرك.. هذا السؤال الذي لم يجد له إجابة مستوفاة حتىاملرةالثامنةلطلبهالزواج ، و لم يراع في كل مرة حب خالد البنته أو حب ابنته له.. حتى فاض به الكيل في تلك املرةو صاح به: - أنا معملتش حاجة في حياتي.. أعمل إيه يعني؟!!.. عارف إنك حاربت في ..37 نا ّ شايف إن ده سببيخليك تذل ؟ !.. طب انت عايز لبنتك بطل.. قوليأبقى بطل ازاي.. أروح أحارب في العراق عشان تنبسط؟ !!.. ثم نظر إليه، و ظهر الغضب في عينيه: - زمنى ّ هتجو يعني زها ّ هتجو .. زها ّ غصبعنكهتجو . ها تعرف غرابةأطوار هذا الرجل البلدةكل .. ج ابنتهالوحيدةلشخص ّ ّ يريد أن يزو فريد من نوعه.. أي فريد هذا؟ .. ال أحد يعلم.. الكل يعلم أن مصير ابنته العنوسة ال غير.. طاملا أبوها ذلك الرجل.. و مع هذا لم يطرق االستسالم قلب خالد، و لم يعد ببالهسوىهذا الش يءالذي ً يجعلهفريدامن نوعه،و يجعله يستحق منى كما يريد أبوها.. لكن ما هو؟!.. اليعلم، فلم يجد سوى أن يتوجه بالدعاء إلى هللا أن يأخذ أباها.. * * * ً رغم أن خالدا كان يتسم بخفة الظل و الروح املبهجة، إال أن حبه ملنىو رفضأبيها ً الدائم له، جعل الحزن وشاحا ً دائما على وجهه.. حتى الحظ جده - و الذي كان ً يقترب من عامه الثمانين،و كانا يعيشان سويامنذ وفاة والديخالد -حزنه الشديد بعد رفضهتلكاملرة، و اقترب منهو سأله : - انتلسه زعالن؟.. انتاملفروض خالص اتعودت.. 8 رد خالد: - مش متخيل إني أشوفها لحد غير ي.. و مش عارف أبوها عايز إيه.. مش عارف إن زمن املعجزاتانتهى.. -و انت هتقعد جنبيكده ك ّ حاططإيدكعلى خد ؟! - طب هعمل إيه؟ ً ضحكالجد مداعبا له : - ال.. انت أحسنلك تدفن نفسكفي سرداب.. ً فلمعت عينا خالد.. و كأنهتذكر شيئاما: - السرداب.. و أكمل: - جدي.. انت فاكر ملا كنت صغير، و كنت ملا أعيط تحكيلي عن قصة السرداب املوجود تحت بلدنا.. و إنك نزلته من أكتر من خمسين سنة؟ رد ً جدهمبتسما: - ً أيوة طبعافاكر ملا كنت بتعيط.. تحب أفكرك بأيامك.. ضحك خالد : - ال.. تحكيلي عن السرداب.. و نزولكم له.. ً فصمتجدهمتذكرا : - يااه.. دي أيام فاتتمن زمن.. كنا أربعشبان بنحبالشقاوة.. و سمعنا كالم كتير عن كنز موجودفي سرداب بيعدي تحت بلدنا.. و إن السرداب ده زمان كان مخزن كبير لألغنيا وقت أي غزو.. 9 - ً الكل كان عارف إن السردابموجودفعال.. بس محدش بينزله ألنهمسكون ّ جر بالعفاريت، و إن اللي هينزله مش هيخرج منه.. بساحنارميناالكالم دهوراضهرنا.. و قلنا الزم ننزل.. كنا عارفين إن باب السرداب موجود في بيت مهجور في البلد.. و إن هناك صخرة كبيرة موجودة على الباب ده.. وفي ليلة توكلنا على هللا.. و رحنا للبيت ده في السر، و كالصخرة ّ قدرنا نحر و بدأنا ننزل واحد ورا التاني.. و مع كل واحد فينا ملبة جاز.. و بعد ما نزلنا سلم طويل لقينا نفسنا في نفق.. و مشينا كام خطوةفي النفق ده لحد نا سْ ف ما بقينامش قادرينناخد ن .. وفجأة انطفت ملبات الجاز كلها في وقتواحد.. و صرخ واحد فينا: "عفريت".. و بعدها كل واحد خد ديلهفي سنانه.. و رجعنا جري ُ على برة.. و ر ك ْ بنا بتخبط في بعضها.. و من وقتهاو محدش فكر إنهينزل هناك. فضحك خالد : - بس هتفضل ذكرى حلوة.. كفاية إنكم مخفتوش تنزلوا.. حتى لو أخدتوا ديلكم ً في سنانكم.. فعقد جده همازح ّ حاجبي ا: - متقولش لحد حكاية ديلنا دي.. * * * بعدها عاد خالد إلى حجرته.. و حاول أن ينام، و لكنه لم يغمض له جفن.. يفكر كثيرا فيما أخبره به جده.. هو يعلم أن ما سمعه يبدو أسطورة.. و لكن السرداب ً موجود بالفعل، و جده ال يكذب قط.. ثم نظر فجأة إلىالورقةاملكتوب بها سبب رفض والد منى.. أنه يريد شخصً ً ا فريدا.. ً شخصا يرض ى جنونه.. و ث نفسه ّ حد .. أنه لن يتزوج غير منىو إال فلن يتزوج.. ثم عال صوته: -فيها إيه لو نزلت السرداب.. إ ً فرض كان فيهكنزموجودفعال.. ُ ثم صمت، و ثلنفسه تحد و ً كأنشخصا ثه ّ آخر يحد : 01 -كنزإيه؟.. ده كالم مجانين.. متنساشإن السردابمسكون عفاريتو أشباح.. ثم ً عادمجددا: - لو كنت جبان يبقى متستحقش منى.. انت عاجبك حياتك كده.. خريج كلية تجارة و شغلك ملوش أي صلةبالتجارة.. درستأربعسنين عشان تخرجتشتغلفيمخزن أدوية.. و لوال إنكعايش مع جدككان زمان مرتبك خلصان نص الشهر.. لو كنت بتحب منى إثبت لنفسكو لها إ ً نكبتحبهافعال.. - لو لقيتالكنزده هتكون أشهر واحد في البلد دي.. أل في مصر.. أل في العلم كله.. لو ملقتوش، كفاية إنك حاولت.. ثم انتفض من سريره.. و أخرج صورةملنى.. و ً نظر إليهاقائال: - أنا هنزل السرداب ده.. هنزل مهما حصل.. و إن كان أبوكي مجنون.. فأنا أوقات كتيرةبكون الجنون نفسه.. * * * 11 ) 2 ( ً كان خالد يظن أنه يتحدث إلى نفسهوحيدا.. و لم يكن يعلم أن هناك من يسمع ٍل خارج الحجرة.. ً حديثه إلى نفسه بصوت عا حيث وقف جده مجاورا لباب الحجرة يستمع إلى ما حدث به نفسه.. و على وجهه أ ُ رغم هذا لم تبد ي دهشة، و كأن ما سمعه من حديثه عن ّ نزولهالسردابأمر لم يمثل له أي اختالف، بل بدا ً كأنه أمر توقع حدوثه.. و ظلواقفاحتى صمت خالد، و غ ل ُ أ قت أنوار حجرته، و ساد ً الهدوء املكان، لم يقطعه إال هذا الصوت املميز الذي يعلمه جيدا حين ينام حفيده.. * * * ً بعدها غادر متكئا ً على عصاه إلى حجرته حيث جلس صامتا على أريكتهلدقائق ً ثم حرك عصاه ليجذب بها صندوقا ً خشبيا ً صغيرا ً بدا عتيقاو فتحه، و أخرج منه ( ً ألبوم (قديما طى بالكثيرمناألتربة ُ للصور غ .. و بعدما أزاح عنه األتربة بدأ ب ّ يقل ً في صفحاته صفحةتلو األخرى ، و يشاهد ما به من صور.. حتى توقف كثيرا عند إحداها.. * * * 02 في اليوم التالي استيقظ كل من خالد و ً جده مبكرا ً كما تعودا دائما؛ فخالد لديه عمله املبكر، و جده ال ينام بعد صالة الفجر، و يظل يقرأ في كتاب هللا حتى ينهض خالد فيتناوال إفطارهما سويا.. و الذي تعده لهما فتاة تسكن بجوارهما، قد اعتادت على هذا منذ سنوات.. حتى جلس خالد و كان ينظر إلى جده بين الحين و اآلخر و كأنه يريد أن يخبره بش يء.. حتى قطع صمته، و سأل جده: - عبدو ) كما كان يحب أن يناديه (.. انت تقدر تعيش لوحدك؟ فنظر إليه جده.. و أظهر أنه ال يفقه سؤاله: - انت عايز تسافر و ال إيه؟! ً صمت خالد.. ثم نظر إليهمجددا: - لو سافرت لفترة قليلة.. تقدر تعيش لوحدك؟ ثم أكمل و كأنه يوضح كالمه: - أنا عارفإن كالمي صدمة ليك.. بس اناقررتإني أسيب البلد لفترة.. و أقسم لك إني هرجع في أسرع وقت.. و مش هتحس بغيابي.. ثم حاول أن يبرر حديثه: - أنا هسافر أي مكان أالقي فيه نفس ي.. أحس فيه بوجودي.. انت عارف ابن ابنك خريج كليةالتجارةبيشتغل إيه؟ - آه.. شغال في مخزن أدوية.. - ابنابنكشغالشيال في مخزنأدوية.. شيال.. هات الكرتونةدي حطها هنا.. خد الكرتونةدي وديها هناك.. بالوقوف ليغادر ّ ثم هم .. و قال لجده: - هسافر فترة مش طويلة.. ً ثم التفتخارجا، حتى أوقفته كلمات جده : - انت ليه بتكدب يا خالد؟!.. انت ليه مش عا ّ وزتعرفنيإنكعاوزتنزل السرداب؟! 13 ّ كانت تلك الكلمات كالصاعقةالتي ج ُ و هتإلى خالد بعدما اختلق رغبتهفي السفر لفترة كي ال يعلم جده بذلك ، و صيببالجنون ُ يظنأنهأ .. و لم يعلم كيف عرفجده ّ بنيته.. ً فنظر إليهمرتبكا: -سرداب؟!.. انت عرفت منين؟ !!.. أقصد سرداب إيه.. و كالم فاض ي إيه.. فأكمل جده: - عرفت من زمان.. ً من زمان جدا.. ً ثم أمرهبالجلوسمجددا.. و سألهفي جدية: - انتعاوزتنزل السردابليه؟ صمت خالد.. ً ثمحاوال ّ ثم تحد أن يجعل الحديث مزحة: - انت ليه مصمم على حكاية السرداب دى.. أنا بقولك أنا هسافر.. أعاد جده سؤاله: خالد.. انتعاوزتنزل السردابليه؟ ً فلم يجد مفراو أخرج ً زفيرا طويال، و أجاب: - عايز أنزل عشان أثبتملنىو أبوها إني بطل.. إني مختلف عن غير ي.. فسأله جده: - بس؟ فأجابهفي تعجب: - أيوة بس.. و أكمل: -و مين عارف، يمكن أالقيالكنز الليانتوا كنتوا نزلتوا قبل كده عشانه.. فكرر جده سؤاله: - بس؟ 04 - أيوة. فقال جدهفي جدية: - انتمش عايز تنزل عشان كده.. ً فنظر إليه خالد متعجبامن الجديةالتي لم يرها على وجهه من قبل.. حتى أكمل جده: - إفرضإن منى اتجوزت حد تاني، هتنزل السردابو ال ال؟ فصمت خالد.. وأكمل جده: - عمر ي ما هصدق إنك عايز تنزل عشان منى.. انت عايز تنزل لسبب ً تانى تماما.. سبب نزولىو نزول غيرى.. السبباللي بيجرى في دمنا.. دمى، و دمك ، و دم أبوك.. السبب هو حبنا للمجهول.. د ّ حبنا للتمر .. حبنا الكتشاف حاجة جديدة.. حبنا لالختالف.. و أردف: - ركنتبحكيلكعن السرداب ّ ملاكنت صغي و انت بتعيط.. و يمكن كنتبتبص لها ّ إنها مجرد حكاية عشان أ سكتك بيها، لكن صدقنيكنتعارف إن هيجييوم و تكبر و أحكيلك من تاني عن السرداب.. مجرد حكاية صغيرة عنهو هتنتفض من جواك.. و تابع: - ما انت ياما رفضك أبو منى.. و كنت عارف سبب رفضه.. إشمعنى املرةدي اللي ّ حبيتتكون بطل.. لحد ما جه اليوم ده امبارح، و حصل جواك نفس اللي حصل ألبوك يوم ما حكيت له عن السرداب.. بس الفرق إني عرفت إنك عايز تنزله، أما هو راح فجأة.. فقاطعه خالد : - أبويا نزل السرداب؟! 15 فأجابه: - مش أبوك لوحده.. أبوك و أخد أمك معاه.. كانوا فاكرين إنهم هيروحوا رحلة صغيرةو يرجعوا.. عشان كدهسابوكو انت ابن سنتين.. و قالواراجعين بعد أيام.. لكن األيام بقت شهور، و الشهور بقت سنين، و السنين فاتت و مرجعوش.. و البلد كلها عرفت إنهم ماتوا في حادثة.. و الكل شكر ربنا إنك مكنتش معاهم و نجيت من الحادثةدي.. لكن الحقيقة إنهم نزلوا السرداب. ثم تنهد و أكمل: - عمر ي بتهم علىكد ّ ما أن ه.. بقول لنفس يما انت كمان نزلت السردابو كنت فخور بنفسك.. بس الفرق إن ربنا نجاك. ثم نظر إلى خالد: - عشان كده عمرى ما هزعل إنك كمان تنزل السرداب.. حتى لو كنت عارف إن قراركدهممكنيبعدكعني.. بس ال زم تكون متأكد إنكنازل من جواكانت.. مش نازل لسببوهمي حاطه لنفسك هو منى.. و هم بالوقوف.. و ً مش ىبضع خطواتمعطيا ً خالدا ظهره: - ّ ساعةماتقرر قولي.. ألن لسه كالم كتير عن سرداب فوريك، حد غير ي هيقوله لك.. * * * بعدها غادر خالد، و لم يتجه إلى عمله كما كان يذهب كل يوم، بل توجه ملقابلة منى بعدما هاتفته، و طلبت مقابلتهبأحد األماكن داخل جامعةاملنصورة.. حيث كانا ً يلتقيان دائما.. وفي طريقهلم يشغل باله سوى حديث جده إليه.. و هل يرغب في ً نزول السرداب حبا ملنىأم حبا للمغامرة.. ن ً ْ ي ثم تذكر حديثجده عنوالديهاللذ ً ال يعلم عن هيئتهما شيئا.. ً فقد وجد نفسهدائما مع جده، و صورة واحدة لم ير 06 ألبيه أو أمه.. لم يساعده علىتخيلهماإالكلماتبعضأقاربه.. أنه طويل مثلأبيه، ً فقد كان تقريبا في مثل طول أبيه الذي يبلغ أكثر من مائة و ثمانين من السنتيمترات.. كما كانوا يقولون له، و كتفاه العريضان و البينة القوية.. هذه أشياء يقولون أنه شابهأباه فيها.. أما أقارب أمهفطاملا أخبروه أن شعره األسود ً الداكن و ابتسامتهالدائمةيظالن شبها ً دائما بينهو بين أمه.. * * * ً بعدها عاد بتفكيره إلى ذلك الرجل الذي أخبره جده أن لديه كالما ً كثيرا عن السرداب.. و هذا االسم الذي سمعه ألول مرة.. سرداب )فوريك(.. و ظل تفكيره ً منشغال، حتى وصل إلى املكان الذي كان يقصده ملالقاة منى.. فوجدها في انتظاره بحجابها املميز و ألوانه املتعددة، و عباءتها السمراء التي طاملا داعبها و أخبرها أنه يتشاءم حين تقابله بتلك العباءة.. فنظر إليها بابتسامة فلم تبتسم كعادتها، و قالت: - أنا متأسفة إن بابا عمل معاك كدهللمرة التامنة.. فضحك : - ال.. أنا خالص اتعودت.. أنا بقيت مفضوح في ً البلد أساسا.. الناس بتقول عليا إني ضربت الرقم القياس ي في رفض جوازك بيا.. و إني املفروض أدخل موسوعة جينيس.. قال تلك الكلمات كي يخرجهامن حالةالحزن التي وجدها بها.. و لكندون فائدة فأكملت: - رةزيكإن بابا عاوز حد مختلف ّ أناكنتمفك .. بس لألسف بابا اتغير فجأة .. اندهش خالد: - يعني إيه اتغير؟!! أجابته: 17 -فيه دكتوراتقدم لبابا عشان يتجوزني.. و ً طبعا أنا كنت متأكدة إن بابا هيرفض.. بس فوجئت إنه وافق.. فصاح بها: - إيه.. وافق؟!! - آه.. وافق و مص ّ ر إني اتجوزه.. و تساقطت بعض دموعها بينما شرد خالد - حاولت اتكلم معاه بخصوص حبي ليك.. فضربني على وش ي.. و قال إنه عارفو أنا؟ ّ مصلحتي أكترمني.. و إن مستقبليمضمون مع الدكتور.. و إني هتعب معاك.. * * * كانت منى تتحدث، و اختلط حديثها بدموعها.. و خالد ينصت لها ال يصدق ما ً تسمعه أذناه.. ماذا يريد هذا األب املجنون؟ كان يخبره بأنه يريد البنته شخ صا ً فريدا من نوعه.. و لكن يبدو أنه كان يريد أي شخص إال خالد حسني.. أنا.. هل يضيع حب تلك السنوات بين عشية و ضحاها؟!.. إنه لم يحب في حياته مثلما ً أحبها.. و ملاذا لم تعترض هي على قرار أبيها؟ !.. هلاستسلمتخوفامن عنوستها؟.. كلها أسئلةدارت في ذهنه بينما كانت تتحدث، حتى طلبت منه الرحيل كي ال تتأخر ً عودتها إلى منزلها.. و كأنها تهرب من لقائه.. فابتسمساخرا ً مشيرا لها بيدهأن ترحل دون أن ينطق.. و كانت املرة األولىالتي يتركها ترحل بمفردها.. و جلس بمكانه ينظر إليهاو هيتغادر، و كأنها املرة األخيرةالتي يراها بها، و يخنقه هذا الضيقالذي يشعر به.. تلك هياملرة األولىالتي يشعر معها بالهزيمة.. إحساس لم يجتحه من قبل.. لم ف ينتبهفي أي مرة تقدم إليها لخطبتهاو ُ ر ض بها.. كان يعلم أن هناك ما يدعى األ مل حتى لو تقدم إليها مائة مرة حتى يقبل أبوها.. يتذكر تحمله لنظرات الناس إليه، و سخريتهم منه حين كان يخبرهم بأنه سيتزوجها ق حين طلب ذات يوم، و ستبقى قصة حب يخلدها التاريخ.. كان يظن نفسه أحم 08 منهاذات مرة أن يتزوجها دون معرفة أبيها فرفضت، و دام خصامهما ملدة طويلة ً حتى اعتذرمنهامجددا..و لكنه أكثر حماقة اآلن.. إنها ستوافق على ذلك الطبيب كما وافق أبوها.. ربما أرادت أن تقابلني تلك املرة كي ترض ي ضميرها فقط ال غير.. ثنفسه ّ ٍن قليلة.. هكذا حد .. حب سنوات يذوب كقطعة جليد في ثوا حتى قطع شروده صوت رنين هاتفه.. و حين قام بالرد، وجد صاحب العمل الذي يعمللديهيوبخهلتغيبه؛فلم يتمالك أعصابه، و أخبره أنه لن يعمل لديه م ً جددا.. و أغلق الخط علىالفور.. * * * بعدها عاد إلى بلدته.. يمش ي في شوارعهامطأطئ الرأس.. يشعر بطعم الهزيمةفي حلقه.. ال يريد أن يتحدث إلى أحد.. حتى وصل إلى بيته، و دخل غرفته ثم نظر إلى حوائطها املغطاةبتلكاألوراق التي ً قهادائم ّ كان يعل ا.. أوراق طلبهللزواج من منى ورفضه في الثماني مرات، ووقف أمام كل ورقة على حدة ينظر إليها و هو يسخر ً من نفسه.. و ٍل كأنه أصابه الجنون ثم قام بتمزيقها جميع يضحك بصوت عا ا، و ً جلس علىأرضيةالغرفةواضعارأسهبين يديه.. ً سابحا في ً ذكرياتهمجددا، حتى ً انتفضذاهبا إلى حجرة جده.. فوجده قد أنهى صالته.. فسأله: - انت قلتلي إن فيه حد عنده كالم كتير عن السرداب.. فرد جدهفي هدوء: - انتخالص قررت؟ - أيوة.. أنا عايز أنزل السرداب .. - عشان منى؟! تمالك خالد نفسه: -منى خالصراحتمن إيدي.. و خالص سيبت شغلي.. و الزم أنزل.. 19 ثم أكمل: - الزم أالقي حاجة واحدةفي حياتي أقدر أحكيها لوالدي من بعدي.. عايز أحس مرة واحدة إني بطل قدام نفس ي.. إحساس يبفشليبيقتلني.. فسأله جده : -مش خايف إنك مترجعش ز ي أبوكو أمك؟ فأجابه: - صدقني.. الحاجة الوحيدة اللي كنت خايف عليها.. إني أسيبك لوحدك، لكن طاملا انت بتشجعني، مفيش مكان أل ي خوف في قلبي.. فابتسم جده: -و العفاريت.. و األشباح و إنهمسكون؟ عندك حق ملا قلتلي إن منى مش هيالسبب.. بالعكسبعد مامنىراحتمنإيديمعتقدش إنيهالقي عفريت أصعب من بنيآدم.. أناخالصقررتإنيهنزل.. و كان بلحظات، زاد حبى للنزول أكتر من األول.. يمكن أالقي في السرداب الذكرى اللي تخليني أقدر أنس ى إهانة ست سنوات لنفس ي.. ثم سأل جده: -مين الراجل ده.. و فين أالقيه.. فابتسم جده: - اطمن.. هو سمع كل كالمنا.. و ً يمكن اتأكد إنكعاوزتنزل السردابفعال.. * * * ً نظر خالد إلى جده مندهشا و كأنه ال يفهم ش ا ً يئ حين دخل عليهما رجل عجوز ّ يقتربفي سنه من جده.. و ث جده علىالفورتحد ، و أشارإلىالعجوز: - فكبمجنون السرداب ّ أعر .. أكيد تعرفه.. نظر إليه خالد : 21 - ً أيوة طبعا.. الحاج مصطفى أصالن !! فأكمل جده : -مصطفى كان أول واحد فكر إنهينزل السرداب من خمسين سنة.. و كنا مسمينه مجنون السرداب.. و ً كان دايما يقول إن عنده معلومات محدش يعرفها عن السرداب، و مستني اليوم اللييقررفيه حد ينزله.. بعد ما أبوكو أمك مرجعوش.. ثم تركهما كي يكمال حديثهما بمفردهما.. * * * نظر خالد إلى هذا العجوز.. و تعجب مما قاله جده؛ فإنه يعرفه منذ سنوات عديدة.. و لم يعلم أنه مجنون السرداب الذي طاملا سمع جده يتحدث عنهو هو صغير.. حتىقطع صمتهالعجوز: - جدك حكى لي أدإيه انتعاوزتنزلسرداب فوريك.. و أنا اتأكدت دلوقت.. - أيوة.. بس أنا أول مرة أسمع إن السرداب اسمه سرداب فوريك.. تابع العجوز حديثه: - هو ده اإل سم الحقيقي للسرداب.. و لو بحثت عن اإلسم ده في أي مكان استحالة تالقيأي معلومة عنه.. ثم تنهد و أكمل: - الناس بتفكرنا أنا و جدك في عداد املجانين لو اتكلمنا عن السرداب.. و مش ً مصدقين إننامن خمسينسنةنزلناهفعال.. بس دي عندهم حق فيها.. فسأله خالد: - عندهم حق.. يعني إيه؟ 21 فأجابهالعجوز -: أيوة.. عندهم حق، يمكن دي معلومة أنا الوحيد الليأعرفها.. إن من خمسين سنة ملا نزلنا احنا األربعة.. منزلناشسردابفوريك.. و يمكن عشان كده طلبت من جدك إنه يسيبنا لوحدنا.. ألني مش عايز أحطم نقطة فخره بنفسه.. - أو مال النفق اللي نزلتوه ده كان إيه؟ - النفق دهمجرد طريق لسرداب فوريك.. و الدليل على كالمي إن النفق على عمق مش كبير.. و له مسافة معينة،و الدليل األكبر إن ملبات الجاز انطفت بعد دقايق من نزولنا.. - أه.. العفاريت.. فضحك الرجل: - ال، تقصد التهوية.. النفق غير السرداب.. األكسجين في النفق قليل.. و ً تقريبا ممكن ميكونش موجود لو باب النزول اتقفل.. و وقتها ملا ملبات الجاز انطفت أنا قلت عفريت.. و الكل خاف و جر ي.. بس بعد كدهاكتشفت إنه كان خيال حد فينا.. و من جوايا كانت سعادتي ملهاش وصف.. ألني حسيت إني حطيت رجلي على أول طريق السرداب.. و فضلت حاطط أمل لنفس ي إني هوصل للسرداب في يوم.. بس السنين فاتت، و املرض حاصرني، و فضلت مستني اليوم اللي ينزل فيه حد غير ي ً السرداب.. و يحقق حلمي.. ثم أخرج كتابا ً قديمامن معه.. و أكمل: - الكتاب ده من نسخة واحدة.. الليكتبهشخص نزل السرداب قبل كده.. لقيته بالصدفة في كتب والدي ملا كنت شاب.. ر عليه ّ لكن لألسف عامل الزمن كان أث ً قبل ما أالقيه.. فكان السليم منهتقريبا عشر ورقاتبتتكلم عن سرداب فوريك.. ٍل ثم أعطى الكتاب لخالد.. و أشار إليه أن يقرأسطورالكتاب بصوت عا .. * * * 22 أخذخالدالكتابليقرأوريقاته.. بينماجلسالعجوزليستمع إليه، و يحتس يكوب الشاي الذي برد بالفعل.. و بدأ خالد في قراءة سطوره املكتوبة بخط اليد.. و التي ثتعن فوريك ّ تحد ، أحد األثرياء الذين تواجدوا في العصر اململوكي.. و كان يمتلك تلك املنطقةالتي توجد بها بلده، البهو فريك - التي كانت تسمى وقتها.. بهو فوريك.. و ما يحيطها من بلدان، و قد أمر أن يتم حفر ذلك السرداب على عمق كبير كي ً يكون مالذا لهو ألهل مدينته إن تعرضت بالده أل ي غزو.. و استغرق حفرهو تشييده أكثرمن خمسة عشر عاما.. و زنتبهثروات ً ُ خ كثيرة من ذلك الزمن.. ث من قام بكتابته عن رحلتهللسرداب ّ ثم تحد .. و عن ذلك النفق الذي ال تو جد به تهوية.. و البد من تجاوزه في أسرع وقت إلى السلم الحقيقي للسرداب.. و الذي ً يمتد ألكثرمن ثالثين مترا تحتاألرض.. و منذ تلك اللحظة فلن توجد أدنى مشكلة ص .. عرف كيف تمت تهويته بتلك ُ بالتهوية.. فقد مم هذا السرداب بكل براعة ُ ال ي ً الطريقة.. أما تعجب خالد فقد زاد حين قرأ أن السرداب اليكون مظلم ً ا ليال يو م يكتمل البدرفي السماءرغم وجودهتحتاألرض.. إنهم مهندسو املاض ي.. يا لها من براعة.. حتىانتهتالعشر ورقات حين كتب صاحبه: "كنت أظن أن الكنز الحقيقي هو الثرواتالتي ّ ز ُ خ نت به.. و لكننياكتشفتما هو ً أثمن من ذلككثيرا، و أعظم من كنوزفوريك.. إننياكتشفت... حتىانتهتالعشر ورقات دون أن تكتمل الجملة.. * * * نظر خالد إلىالعجوزفي لهفة: - اكتشف إيه؟ فأخبره العجوزأنه ال يعلم.. و أنه وجد الكتاب على تلك الحالة.. و ظل سؤال ماذا ً اكتشف صاحبهذا الكتابيشغله طوال خمسين عاما.. ثم نظر إلى خالد: - لو كنتعاوزتكتشف اللياكتشفه.. الزم تكون في السرداب الليلة دي.. 23 - الليلةدي؟!! - أيوة.. الليلةدي القمر بدر.. و ده التوقيت الليبيكون فيه ر حس ّ السردابمنو ب كالم الكتاب.. ً فصمتخالد قليال.. ثم نظر إليه: -و أنامستعد أنزل.. مستعد لفرصة حياتي.. * * * كانت الساعة تقترب من السادسة حين تركه العجوز و غادر.. و ترك معه هذا الكتابالذي تصفحه ألكثر من مرة.. و مع كل مرةتزدادرغبتهفي نزول السرداب.. ً يدفعه ذلك الفضولإلىمعرفةما اكتشفهكاتبه.. يشعر أنهيمتلكسرامن أسرار ً الزمان.. و يسأل نفسه: هل اكتشف كنوزا ال حصر لها؟.. هل توجد آثار باألسفل، و أكون أنامكتشف القرن الحادي و العشرين؟ .. و ظل ً هائما في أحالم اليقظة.. * * * اقتربت الشمس من املغيب فصعد أعلى بيته.. و نظر إلى بلدته.. ينظر إلىأراضيها الزراعية.. و إلى األشجار العالية، و الطيور التي تزينها.. ينظر إلى البيوت املجاورة و كأنه يراها آلخر مرة.. يستنشق نسيم بلده العطر، و يتحدث إليها.. ربما يكون آخر نهارلي هنا.. أتمنىأال يكون.. ثم عاد إلى حجرته ليتم استعداده لرحلته.. * * * مر الوقت، و دخل الليل، و ّ ي ُ ز نت السماء بالبدر.. و ها هو ينتظر حتى يسكن الهدوء ً البلدة.. و هو يعلم أنهلن ينتظر كثيرا.. يدب الهدوء بلدته بحلول العاشرة ً فعادة على األكثر ً مساء .. ال يتأخر بها سوى صديقه دكتور ماجد منير، و الذي يغلق صيدليتهفي وقتقد يتجاوزالثانية عشرة.. إنه ال يريد أن يراه أحد و هو متجه إلى 24 ذلك البيت املهجور في أطراف البلدة.. ً حتى دقت الساعة الواحدة صباحا.. و استعد للرحيل، و ً نظر إلى جدهمبتسما ً مودعا له: - إن شاء هللا هرجع.. فابتسم جده : - أكيد هترجع إن شاء هللا.. ثم طلب منه أن ينتظر لحظة.. و أخرج الصندوق الخشبي.. ثم فتحهو أخرج منه)ألبوم( الصورالقديم.. فسأله خالد: - إيه ده؟!! فقام جدهبتقليببعضصفحاتهووقف علىتلكالصورة التي توقف أمامها من ّ قبل، و ثإليه تحد : - عارف مين دول؟ فنظر إليها خالد و مازالتالدهشة تتملكه.. فأكمل جده: -دي صورةأبوكو أمك.. كانتآخر صورةلهم قبل ما يسيبوني.. ثم دمعت عيناه ظل فدمعت عينا خالد هو اآلخر.. و ً متأمال بها: - أول مرةأشوف صورتهم.. فأكمل جده: - كنت مستني اليوم ده.. و فضلت معذب نفس ي عشان اليوم ده.. ثم أعطاه الصورة، و مسح بيده دموعه، و احتضنه.. فهمس خالد في أذنه: - هرجع لك يا عبده.. هرجع.. ثم غادر.. * * * 25 كان الهدوء يسود البلدة.. و لم يكن يسير بشوارعها أحد سوى خالد و الذى كان يحمل حقيبة كتفه ، و ما بها من طعام يكفيه لعدة أيام، و مصباح لإلنارة، و الكتاب ً الذي أعطاه له العجوز، و بعض األوراق و األقالم؛ اعتقادا منه أن هناك ما قد يحتاج لتدوينه.. و قد وجد عدم حاجته لـ )كاميرا ( تصوير؛ فوجود هاتفه الخلو ي يغنيه عنها .. ً كان يسيرمسرعا إلىأطراف البلدة حيثذلكالبيتاملهجور.. و ما إن اقترب منه و من سورهالعالي حتى عزم علىتجاوزذلكالسور.. * * * ً أما جدهفكان يجلس وحيدا يقرأ في كتاب هللا، و ً يدعو ربهأن يعودبهساملا.. حتى ً سمع طرقات على باب بيته.. و قد ظن أن خالدا عاد من جديد.. و ما إن قام ليفتح الباب حتى وجد منى في وجهه.. و قد اندهش حين وجدها أمامه في ذلك الوقت املتأخر من الليل.. حتى سألته : -فين خالد..؟!! و مش بيرد على تليفونه ليه؟! رد جده: - ليه؟ ! أجابت منى فيفرحة: - خالص يا جدو.. قدرتأقنع بابا إننا نتجوزأناوخالد.. و مش قادرةاستنىللصبح عشان أقوله.. خايفةيكون لسه زعالن من الصبح.. فابتسم العجوزثم صمت.. * * * تجاوز خالد سور البيت املهجور.. و أنار مصباحه حين وصل إلى مكان الصخرة الذي وصفه له جده بالتفصيل.. و التيكان يصعبأن يصلإليهادون وصف جده 26 له.. ثم حاول إزاحتهافلم يستطع في البدايةرغم قوتهالبدنية.. فحاول مرة أخرى دون أن يستطيع.. فصاح بنفسه أنه لن يستسلم.. و عاد للمحاولة مرة ثم مرة ثم مرة.. و قد انسابالعرق من جبينه، و لكن دون جدوى.. ً حتىوجد لوحا ً قديما من الخشب ففكر أن يكون وسيلة إلزاحةالصخرة.. و بدأ يحاول من جديد، و ً يصرخ مجددا لن أستسلم.. و يدفع بقوة، و يضغط أسنانه ببعضها.. و يدفع اللوح الخشبي.. و يصيح، و يدفع.. حتى تحركت الصخرة بعض الش يءتبعهاسقوطه علىاألرض.. ما إن تحركت الصخرة تلك الحركة الضئيلة.. حتى سهل تحريكها بعد ذلك.. و ً دفعها رويدا ً رويدا.. ً بعيدا عن باب حديدي كان يرقد أسفلها.. حتى سقط على ً ركبتيه.. و ازدادت ضربات قلبه، و تسارعتأنفاسه.. و قال مبتسما لنفسه: - إجمد يا بطل.. إحنا لسه في البداية.. * * * ً بعدها نظر إلى الباب الحديدي الذي احتل مربعا من األرضية.. و سمى هللا.. و قام بفتحه، ً فلم يكن موصدا بأي ٍ نوع من األقفال سوى الصخرة.. و ما إن فتحه حتى ً أحدث صريرا دل على غلقه ملدة طويلة.. ثم وجه ضوء مصباحه بداخله فوجد ً سلما ً عموديا إلى األسفل.. ً فتحدثإلىنفسهمشجعا لها: - بسم هللا نبدأ طريقنا للسرداب.. * * * بعدها بلحظاتبدأ نزول ذلكالسلم.. و ً غلق البابمجدد ُ ما إن نزل حتىأ ا.. و كأنه ب ُ س ح س .. فعلم أن اللوح الخشبي الذي ُ كان يدعم فتح الباب قد ك ر.. فلم يهتم بذلك.. ما شغل باله هو تجاوز النفق في أسرع وقت.. و تابع نزوله دون أن ينظر ألسفل.. يخطو درجةوراءاألخرى.. حتى وجد نفسه داخل نفق مظلم.. ال يوجد به ضوء سوى ضوء مصباحه.. فتحرك بضع خطوات يتحسس طريقه.. يمسك 27 املصباح بيده اليمنى، و يزيح شباك العنكبوت الكثيفة بيده اليسرى.. حتى سار لعدة أمتار فبدأ يشعر بسرعة ضربات قلبه.. يحاول أن يرى نهاية ذلك النفق.. و لكن دون جدوى بعدما حالتشباكالعنكبوت دون ذلك.. * * * تقدم خالد في الظالم أكثر و أكثر.. يبحث عن سلم السرداب الذي أخبره به العجوز.. و أسرع في تحركه بعدما شعر بضيق صدره الذي ازداد حين قل الهواء بصورة شديدة.. و بدأ يضع يده على رقبتهمن االختناق.. و يتحرك، و ال يجد ذلك ّ الطريق إلى السرداب.. يجر ي كاملجنون و ت قواه قد خر .. يتحسس حوائط النفق بيده.. يبحث عن أي فجوة بها.. و لكن دون جدوى.. ً يسأل نفسه الهثا: أين أنت أيها ً الطريق؟ .. يعلم أنه لن يستطيع حتى العودة إلى سلم النفق.. سيموت مختن قاقبل أن يعود.. يسرع في طريقه إلى األمام.. يبحث في كل مكان.. على الجانبين و أعلى و أسفل.. و ً لكنهلم يجد شيئا.. حتى سقط علىاألرض.. و سقط بجانبه مصباحه، و صرخ بصوت واهن: - ال يوجد سرداب.. ال يوجد.. ً ثم صمت.. و أمال رأسه جانبا.. ً همستسلم ّ وكاديغمضعيني ا.. ً قبل أن ينظر بعيدا إلى بقعٍة أضاءها مصباحه امللقى بجواره.. فابتسم ابتسامة شابها إعياء شديد، و ث ّ تحد : - سرداب فوريك.. ثم أغمض عينيه للحظات حتى فتحهما مرة أخرى.. و نظر ً مجددا إلى ألواح خشبية متراصة ظهرت في بقعة الضوء، و يوجد ٌ صغير كأنها بابٌ بأحد جانبيالنفق.. * * * 28 ) 3 ( ُ كان الباب الخشبي يبعد عن خالد عدة أقدام.. و لقى على ظهره من مازال خالد م ً شدة اإلعياء حتى انتفض مجددا،و تحرك بجسده تجاه هذا الباب، يزحف كأنه إحدى الزواحف.. اليقوىأنيقفعلىقدميه، و ينازع اختناقهكمنينازعالغرق.. ً يتحرك بجسده، و يدفع بقدميه، و يستعين بذراعيه.. واضعامصباحه بين ف ه ّ كي .. ّ يقاوم أكثر و أكثر.. و ث نفسه أنه األمل يحد ، إنه سرداب فوريك.. حيث الهواء.. ّ حيث الحياة، يهذي بكلماتيقويبها نفسه.. و يقترب أكثرو أكثر من الباب.. و يدفع ّ بقدمه في قوة.. ت قواه حتى توقف جسده مرة أخرى بعدما خر ، و لم يكن يتبقى سوى أقدام قليلةنحو الباب.. تنظر عيناه إلى الباب.. و يحاول أن يمد ذراعه إليه لكنها ال تلمسه و كأنها استسلمت.. حتى صرخ صرخة قوية، و كأنه يجمع ما تبقى لديه من قوة، و قذف بجسده تجاه الباب كصخرة اندفعت نحو باب خشبي أذابه الزمن فانكسرت ً ألواحه.. و اندفع بداخله ليجد جسده يهوى على سلم خشبي مغمضا عينيه يتدحرج كما تتدحرج الكرة حين تسقط علىدرجات سلم.. و لم يستطع السيطرة على جسده على اإلطالق.. يرتطم بين الحين و اآلخر.. و يزداد سقوطه أكثر و أكثر.. ً ثم هدأ ارتطامه قليال حتى توقف.. و هليجد نفسه ّ قد فتح عيني في مكان مختلف ا ً تمام .. * * * 29 ُ فتح خالد عينيه.. لقى على إحدى درجات السلم العريضة فوجد نفسه م .. و قد انتعش صدره بالهواءكأنهارتوى ببئرماء بعد ظمأ شديد.. و زاد سروره حين و جد نفسهيرىكل ش يءدوناالستعانةبمصباحهو قد زالظالم النفق.. حتى وقف على قدميه، و صرخ: - أنا في سرداب فوريك.. أنا في سرداب فوريك.. بعدها نظر إلى أسفل حيث لم ينته السلم بعد.. وأسرع إلىأسفل يخطو درجاتهفي أمل.. ال تعوقهآالم ارتطامه حين سقط.. يريد أن يكتشف كل ش يء في وقت قليل قبل أن يختفي البدر.. و يتحدث إلى نفسه أن كل ما ذكره الكتاب حتى اآلن قد وجده.. الهواء موجود بالفعل، و إضاءة البدر تنير له طريقه، و معتلتزدا ُ كأنها ج د قوة إضاءتها داخل السرداب.. يالها من براعة هندسية.. و لكن ظل سؤاله إلى نفسه؛ ماذا اكتشف صاحب الكتاب؟!.. حتى انتهى السلم.. و وصل إلى نهايته، فوجد نفسهفي السرداب.. * * * ً وجد خالد نفسهأمام نفق كبيرأكبركثيرامن النفق الذي مر ً بهسابقا.. فارتفاعه يقترب من العشرة أمتار.. و اتساعه يبلغ مثل ارتفاعه.. حتى سار به، و ينظر إلى ٍر سياح جدرانه الضخمة في دهشة كأنه في مزا ّ ي.. و أخرج قلمه و أوراقه.. و أخذ ض يكتب بع ّ السطور عما يراه.. و يتقدم أكثر و أكثر، و يسأل نفسه؛ كيف يو جد هذا السرداب الضخم أسفل بلده و ال يعلم عنه سوى صاحب الكتاب املجهول و بعض األشخاص الذين لن يصدقهم أحد؟!!.. إنه قد يكون أعظم اكتشاف ً بالعصر الحديث.. و قد يجعل من بلده مزارا سياحيا.. يبدو أن الكاتب قصد ً باكتشافه، السرداب نفسه.. و يسيرمنبهراو يتقدم.. و يضحك بهستيرية ، لقد انتهى األلم.. لعلهيجد أحد الكنوزاآلن.. ً يبحثفي كل جوانب السرداب.. ال يريد أن يترك شبرا ً واحدا يفوته.. حتى ارتطمت قدماه بش يءما.. و ً ما إن نظر إليه حتىانتفضقلبه حينوجده هيكال ً عظميا ألحد 01 األشخاص.. و قد كانت املرة األولى التي يرى فيها مثل هذا الهيكل، لكنها لم تكن األخيرة.. فكلما تقدم وجد أكثرو أكثر.. حتى بدأ الخوف يتسرب إلى قلبه.. و كأن تلك الهياكل تتحدث إليه بأنها مصير كل من دخل هذا السرداب.. و داربخلدهأن يكون أحدها ألبيه أو أمه.. و تمنىأن تكون الحقيقة غيرذلك.. * * * بعدهاشعر أناإلضاءةتقلّ ً شيئا ً فشيئامن خلفه.. فنظر إلى ساعة يده فوجدها ً قاربت الخامسة فجرا.. و علم أن البدر قد بدأ في زواله.. و ال يعلم ماذا سيحدث بعد ذلك.. وقت ً ماذكره الكتاب أن السرداب يظل مضاء وجود البدر.. و لم يذكر ً شيئا آخر، حتىمر منالوقت ٌ قليل .. و ً تالشتمعهإضاءةالسردابتدريجيا.. فلم يع ط ً اهتماما لذلك.. و ق تقدم أكثرو أكثر.. ُ ن ً حتىوجد صورة شت على أحد جدار ي ٍص السرد تبدو علىمالمح ابلشخ ه الثراء.. ً فتحدثإليهمبتسما: - أكيد انت فوريك.. ّ أحب أعرفك بنفس ي.. أنا خالد حسني، مكتشف سردابك العظيم.. و الليبسببك هيعيش أحلى أيام حياته.. ثم أخرج هاتفه ليلتقط له صورة.. و ما إن التقطها حتى شعر بهزة عنيفة تحت هكادتتسقطه ّ قدمي ، ً فالتفتجانبا ً ليجد جدران السردابتنهاربعيدا في طريقها إليهو يقترب منه االنهيار بشدة، فعاد بظهره للخلف بضع خطوات.. بعدها لم يجد أمامه سوى أن يلتف بجسدهو يجر ي لألمام.. * * * يجر ي ً خالدسريعاو انهيارالجدران يسرع خلفهكأنهفريسةيالحقها أسد مفترس.. ه ّ ال يصدق عيني .. يشعر بأنه في حلم ما، و يسرع.. و تسمع أذناه صوت ارتطام صخورالجدرانالضخمة.. لو أصابته صخرة واحدة لقتلته.. حتى سقطت حقيبة كتفهو ما بها فلم يعبأ بذلك.. وواصل عدوه.. تساعده قدماه الطويلتانو خطواته الواسعة.. و يجر ي إلى حيث ال يعرف.. يجر ي إلى املجهول.. و يصرخ بداخل نفسه.. 31 ً كيف يعود إلى بلده مجددا؟ !.. إنه الهالك.. إن السرداب ينهار.. ماذا حدث باألعلى؟! حتى وجد نفسه أمام طريقين انقسم إليهما السرداب.. فاندفع إلى أحدهما، دون رغبته حين انهار الطريق اآلخر قبل أن يصل إليه.. و كأن االنهيار يتحكم في مساره.. ثم فوجئ بنفسه يجر ي إلى مرتفع يتجه لألعلى.. و يال حقه االنهيار أسرع و أسرع يريد أن يبتلعه.. يحاول أن يقاومصعوبةالصعود.. و يتقدم و ً هسريع ّ يخطو بقدمي ا.. حتى وجد نو ً را ً شديدا على مرمى بصره كأنه نور النهار الذي ً يعرفه جيدا فأسرع إليه و مازال الظالم و االنهيار يالحقاه حتى اقترب من الفتحةو قفز منها لتنهار من أسفله،و تغلق و كأن األرض قذفته خارجها.. * * * لقى على األرض ُ ٍل وجد خالد نفسهم .. و رأسهمنغمسة في رما .. فرفع رأسه، و أزال الرمال عن وجهه و عن عينيه.. و نظر إلى السماء و ضحك.. و شكر هللا بعدما ظن أنه عاد مرة أخرى إلى أعلى.. و أنهقد نجا من انهيار هذا السرداب امللعون.. حتى ً نظر إلىالسماءمجددا.. و الحظ زرقتهاو صفاءها إلىدرجةلم يرهامن قبل، و نظر ً حولهفوجد رماالبكل مكانو على مرمى بصره.. فنهضو داربجسدهليرىماحوله.. فلم يجدسوى صحراءواسعةتظلهاسماء صافيةفضربرأسهبيده، و همس إلى نفسه: -فوق يا خالد.. انت بتحلم و ال إيه.. انت فين؟ !.. و إيهاللي جاب الصحرادي هنا.. ً ثم نظر حوله مجددا، و ً سأل نفسه غير مصدقا ما يراه: أين هو؟.. و سار بضع خطواتفي كل اتجاه لكن دون جدوى.. إنها صحراء ال يوجد بها أحد فجلس مكانه في دهشة.. و نظر إلى فتحة السرداب التي خرج منها فوجدها و كأنها لم تكن.. ً فضحكساخرا.. و ث خائباألمل : ّ تحد 02 - ر الصحرا واضح إن السرداب كان معمول عشان نعم .. و الكنز و فوريك ده كان ّ ّ مقلب.. و يا ترى أنا في الصحرا الشرقية.. و الغربية ال .. و ّ ال في سينا؟!!.. و ال أكون عبرت الحدود.. و رحتليبيا.. أو السعودية.. ثم صرخ و كأن الجنون أصابه: - أنا فين؟!!!.. * * * مرت ساعات على جلوسه.. يجلس و ال يعلم أين يذهب.. و خلع قميصه، و وضعه فوق رأسه كي يقيه حرارة الشمس.. و اندهش حين نظر إلى ساعة يده فوجد عقاربها توقفتعنالحركة.. و لم يفكر بهذا األمر كثيرا ن يج ً ّ حيثفوجئبرجلي ريان بعيدا عنه.. فنهض و أسرع إليهما.. و ق قلبه حتى اقترب منهما فالحظ ً ّ بدأ األمل يد هما الغريب ّ زي و شدة إعيائهما، و كأنهما مريضان بمرض مزمن شديد فأوقفهما.. و سألهما: - لو سمحتوا، أنا محتاج مساعدتكم.. ً فتركاه.. و واصال جريهما، فأسرع خلفهما ليوقفهمامجددا: - انتو ا بتجروا ليه؟ !.. فنظر إليه أحدهما: - أال ترى ما نحن به؟ ! ً تعجب خالد من لهجتهما الغريبة.. و ابتسمساخرا ً مقلدا له: - أجل أرى ياسيدي.. ثم سأله: - إحنا في السعودية، صح؟ ! ً نظر إليهالرجل متعجبا: -ماذا تعنيالسعودية؟ !! ً ابتسم خالد.. و زفر زفيرا ً طويال.. و ث إلىنفسه ّ تحد : 33 -دول في الضياع.. ً فسألهالرجل اآلخر الهثا : - أأنت غريب؟ فأجابه خالد علىالفور: - أيوة أنا غريب.. ثم أكمل: - إحنا فين؟.. و انتوا مين؟ أجابه أحدهما: - إننا فقراء.. و قد هربنا إلى الصحراء.. أال يوجد معك طعام؟! أجابه: - ال لألسف.. كان معايا بس ضاع مع الشنطة.. ثم وضع يدهفي جيبه، و أخرجورقة من فئة العشرة جنيهات.. و أكمل: - ُ أنامعايافلوسممكن تشتروا أكل لو قلتوا لي إحنا فين.. و ازاي أرجع بلدي.. فخطف أحدهما ما أخرجه خالد من نقودو وضعها بفمهو أكلها.. فاندهش خالد، و ً سألهمتعجبا: - انتجعان للدرجةدي؟ فأجابه اآلخر: - يبدولي ٌ أنككريم، و لهذا تأكدت أنك غريب عن هنا.. أشعر بأنك غن ّ يللغاية... ضحك خالد.. و نظر إلى نفسه، و مالبسه البالية التي ّ غطاها تراب النفق و السرداب، و حالتهالتي رثى لها ُ ي .. و سأل نفسه.. أ ّ ي غنى يتحدث عنه هذا األبله؟ عشرةجنيهاترآهاشعر بأنني غني؟.. ثم تجاوب معهماو كأنهما مجنونان.. و سألهما ً مجددا، و قد ضاق صدره: 04 -دلوقتى أنا عايز أعرف انتو ا هتعيشوا ازاي في الصحرادي؟ ! ، و هربانين من إيه؟ و سؤالياألهم: ً إحنافين أساسا؟.. أجابهالذي أكل النقودبعدما حاول أن يفهم ما يقصده : - إننا فقراء، و ً ستكون الصحراءأفضل لناكثيرامن أرضزيكوال.. ً فسأله خالد مندهشا : - أرضزيكوال؟!! فسأله اآلخر: - أال تعرف أرضزيكوال؟ ! أجابه خالد: - ال.. فين زيكوال دي؟.. أنا مش شايف إال صحرا في كل مكان.. فأكمل الرجل: -من يوجد في هذا الزمان و ال يعرف أرضزيكوال ً ث ّ ؟! ثم أكمل محد ا صديقه: - إنهم األغنياء، ً يسخرون منا هكذادائما.. ثم أشار إلى خالد أن يتحرك عدة أمتار في اتجاه يده: - إنها هناك باألسفل.. أيها الغني.. ثم تركاه وواصال جريهما في الصحراء.. و تحرك خالد إلى ما أشار إليه الرجل، وواصل تحركه حتى وجد نفسه على حافة هضبة عالية فنظر إلى أسفل فوجد ٍن مدينة كبيرة ذات منظر بديع من أعلى.. شتى بها مبا و تتخللها مساحات خضراء ٍض زراعية كأنها أرا ، و مسطحات من املاء .. * * * 35 ) 4 ( اتسعت عينا خالد من الدهشة، و سأل نفسه:كيف توجد تلك املدينة بجوار تلك ً الصحراء الجرداء؟ !.. حتىقاطع تفكيره صياح أحد الرجلين إليهمجددا : - إياك أن تذهب إلى زيكوال.. إياك.. و واصل جريه مع صاحبه.. فلم يعطه خالد ً اهتماما.. و ّ ظل ينظر إلى تلك املدينة من أعلى.. و سأل نفسه: أين هو من العالم؟ و أينتوجد أرضزيكوال تلك؟.. ً حتىابتسم حين نظر بعيدا إلى أسفل فوجد طر ً يقا ً طويال ً ممهدا إلى تلك املدينة.. به كثير من التعرجات و ً مرتفعا إلى أعلى حيث ر ّ يم بالقرب من تلك الهضبة التي يقف عليها.. ً فلم يجد أمامه سوى أن يسرع باحثا عنه.. يريد أن يذهب إلى املدينةفي أسرع وقتبعدما حل به الجوع و العطش بعدها يحاول أن يعرف أين هو.. * * * ً بعدها سار في الصحراء متجها إلى ذلك الطريق.. و ظن في البداية أنه قريب منه ً فاكتشف غير ذلك تماما.. فكلما تقد ً م لم يجد شيئا ٌ فاعتقد أنه سراب.. حتى تحقق من وجوده حين رأى عربة ها حصان تسير على مقربة منه ّ يجر .. فأسرع في اتجاهها فوجد أمامه ذلك الطريق الذي شاهده من أعلى.. و لكن سائق العربة لم يلحظ وجودهو ابتعد بها عنهفواصل تحركهفي نفس االتجاهالذي سلكتهالعربة.. * * * 06 مر الوقتو أصبحت الشمس عمودية.. و زادتحرارتها، و اإلرهاق ّ حل و التعب على خالد.. و بدأتآالم ارتطامهفي السردابتحلعليهمرةأخرى.. و لكنه تابع سير هرغم ْ علمه بأن هذا الطريق طويل للغاية، و ل قس ٍط من الراحة البد لهمن ني .. يريد أن يصل إلى هناكفي أسرع وقت.. ً يشعر أنهناكأمال ما في انتظاره.. حتى سمع ص ً وتا من خلفه.. و حين التفوجد عربةأخرىيجرهاحصانفأشارإلىسائقها أن يقف، ٍب فأوقف السائق حصانه بالفعل.. فنظر إليه خالد في تع : - أنا عايز أروح أرضزيكوال.. فسأله السائق: -و كم تدفع؟ فوضع خالد يده في جيبه.. و أخرج بعض النقود الورقية.. و أشار إلى السائق أن ً يأخذها.. فسأله السائق غاضبا: -ورق؟! ً ثم ألقاها في وجهه.. و تركه و غادر.. و خالد لم يفقه شيئا ً مجددا.. و ث نفسه ّ حد بصوت مسموع : - البلد دي كلها مجانين و ال إيه؟! وواصل تحركه، فجاءتعربةأخرى و حدث معها مثلما حدث مع العربة السابقة ً تماما.. و تركه سائقها و غادر.. فابتسم ً خالد ابتسامة بها خيبة أمل كبيرة محدثا نفسه: " إنهازيكوال أرض املجانين ".. و سارمسافةأخرى، و ازدادتعبه.. حتى سمع من جديد صوت عربة فالتفت فوجدها عربة ضخمة يبدو عليها الثراء، و قد ّ اختلفت عن العربات السابقة من حيث تصميمهاو أناقتها.. فر تعب فرأى أن يو ه.. و ال يشير إليها و يكمل سيره، و ً ت بجواره فوجد شاب ّ مر ا في ً مثل عمره متشبثا بمؤخرتها دون أن يراه سائقها.. و ً حين وجد خالدا أشار إليه بيده أن يسرع إلى 37 العربة.. فأسرع خالد إلى مؤخرة العربة هو اآلخر.. و تشبث بها.. و نظر إلى الشاب ً مبتسما: " ً شكرا".. فهمس الشاب إليه، ووضع يده على فمه: - اصمت.. كي ال يسمعنا أحد.. * * * سارت العربة في طريقها إلى زيكوال، يصيح سائقها إلى جيادها أن تسرع.. و خالد ما ً زال متشبثا بمؤخرتها مع هذا الشاب.. ينظر إليهفي دهشة من مالبسه.. و شعر ً بدهشته هو اآلخر منهأيضا.. حتىاقتربتالعربةمن سور ضخم.. فأشار الشاب إلى خالد أن يقفز معه تاركين العربة.. فقفزا، و ما إن نظر خالد أمامه حتى وجد ً سورا ً ضخما يصل ارتفاعهإلى ما يقرب من خمسة طوابق، تزينه نقو ٌش غايةفي ً الجمال، به باب ضخم كان مفتوحا ً على مصراعيه تمر منه العربات مجيئا و ً ذهابا.. فنظر خالد إلى الشاب قائ ً ال: - ً أنا بشكركجدا .. ردالشاب: - ال تشكرني يا أخي.. إننيمثلك، كادت تقتلني حرارةالشمس.. فسأله خالد: - أنتمن زيكوال؟ - نعم.. و ً أنتتبدو غريبا.. فابتسم خالد: - أيوة.. أنا من البهو فريك.. بلد جنباملنصورة.. فارتسمتالدهشة على وجه الشاب: -ماذا؟!! فأسرع خالد و كأنه يصحح حديثه : 08 - أقصد مصر.. أنا من مصر.. فلم تخت ف دهشةالشاب و سأله: - ماذا تقصد بمصر؟!.. هل هيفي الشمال؟ ً فأجابهمندهشا: -انتمش عارف مصر أم الدنيا؟ ردالشاب: - نعم أخي.. ال أعرفها.. ً فصمت خالد مفكرا ثم أجابه و كأنه يريح نفسه من غرابة هؤالء الناس الذين يقابلهم: - أيوة مصر في الشمال.. ثم سأله: - إحنا فين؟ ردالشاب: - أال ترى يا أخي.. إننا في زيكوال.. أرضالذكاء.. فلم يتمالك خالد نفسه من الضحك : - أرضالذكاء؟!.. ً ال فعال الذكاء واضح على كل الليقابلتهم ثم سأله: - يعني تبع دولةإيه؟ .. قارةإيه؟ ً ردالشابمتعجال: -ال أفهم قصدك.. إنهازيكوالو فقط.. و اآلن البد أن أتركك.. إننيأضعت اليوم ً وقتا من العمل.. و البد لي أن أقوم بتعويضه.. ً يدهمودع ّ ثم مد ا خالد، فمد يده هو اآلخر: - اسمي خالد.. 39 ردالشاب: -و أنا يامن.. حظا ً سعيدا في أرضزيكوال .. ثم تركهو غادر .. * * * ً كان خالد مازال واقفا أمام باب املدينة الضخم.. حتىتقدم إليه، و خالله ّ ما إن مر حتى شعر برعشةقويةتسرى بجسده، و ألم شديد برأسه كاد يقتله.. حتى سقط ً على ركبتيهممسكا رأسهبيده من األلم الذي لم يشعر بمثلهفي حياته.. و استمر ً أملهلدقائق حتىبدأ يتالش ىشيئا ً فشيئاو كأنه لم يحدث، ثم تابع مسيرهإلى داخل املدينة.. سار خالد باملدينةو كأنه يسير بمدينة األحالم.. ينظر إلى وجوه الناس و تعبيراتهم املختلفة.. منهم من ترتسم البسمة على وجهه، و منهم منانطبع الحزن على جبينه.. و هم إلىزي الذي انقسم إلى أقسام عدة؛فمنهم من يرتدي ّ ً جلباباو علىرأسه عمامة، و قد كانوا كبار السن.. أما الشباب و الصغار فكانوا يرتدون سراويل واسعة من أعلى و ضيقة من أسفل.. و كأنها ز ّ ي الصيادين الذي اعتاد أن يراه و لكنها أكثر ً أناقة.. و من أعلى يرتدون قمصانا ُ واسعة منقوشة ص ن عت ببراعة من الجلد أو القماش.. أما النساء فقد وجدهن يرتدين فساتين فضفاضة ذات ألوان براقة.. و ً جميعهن ال يضعن شيئا فوق رؤوسهن.. و الحظ جمال الكثير من النساء في تلك املدينة.. و خش ى أن ينظر إلى إحداهن.. و هو ال يعلم كيف ستكون ردة الفعل في تلك املدينة.. و يعجبه ذلك التنوع في الز ي.. و تلك األناقة التي بدت على كل فتى و فتاة باملدينة.. و ً يسير بشوارعها منبهرا بتلك املباني املتالصقة.. التي بدت عليها املهارة املعمارية.. و ً كانت تمتلك ارتفاعا واحدا ال يتجاوز الثالثة طوابق.. و نيت ً ُ ب جميعهامن الطوباملحروق و األخشاب.. * * * 41 ً أكمل خالد مسيره حتى وجد مكانا ّ يقد ً م طعاما فسمع أصوات بطنه تناديه، و ّ تذكره بالجوع.. فاقترب من ذلك املكان.. و جلس به.. و ً طلبطعاما.. ثم جاءهرجل بطعام من الخبزو اللحم.. و قال له : - ً شكرا لتشريفك لنا أيها الغني. فابتسم خالد : - تاني غني!! الرجل ليأخذ نقوده فلم يأ ت.. فأكل ثم أكل و امتألت بطنه.. و انتظر أن يأتي و مش ى.. و ً عادت إليه قوته مجددا.. و أكمل سيره في ً املدينة حتى وجد مكانا آخر لصناعة املالبس و بيعها.. فنظر خالد إلى نفسه.. و وجد أن يشتري لنفسهز يا.. كي ال يكون ز ً همختلف ّ ي ا عن باقيأهل املدينة.. حتى يعرف أين هو.. و دخل ذلك املكان فسأله من به: - لستمن زيكوال؟ ً فاومأ خالد موافق ا كالمه فأعطاه الرجل ز يا ً مناسبا.. ً بنطاال ً واسعا.. و ً قميصا ً منقوشامن القطن.. و ً لم يأخذ منهنقودا.. و قال له مثلما قال صاحب املطعم: - ً شكرا لتشريفك لنا أيها الغني.. فابتسم و تذكر كالم من قابلهما بالصحراء.. و أنه غريب ألنه كريم.. و قال لنفسه إنهما مجنونان بالفعل.. فما وجده من أهل املدينة حتى اآلن كرم مبالغ فيه. * * * هالجديد ّ يسيرباملدينةبزي .. و يقلب عينيه هنا وهناك.. و ً قد الحظشيئا لم يفهمه.. و هو أن كل مكان للبيع و ً الشراء يجد مكتوبا عليهأرقام و وحدات.. عشر وحدات ّ أو خمس.. أ يوحدات تلك ال يفهم.. حتى أكمل مسيرهو حلالليل.. ففوجئ بأن تلك املدينةرغم ما يبدو عليها من ثراء إال أنها لم تصلها الكهرباء بعد.. ثم اندهش